تقدير موقف: ما تحتاجه حكومة بن مبارك في ضوء اجتماعها الثاني

تقارير - Monday 11 March 2024 الساعة 09:18 pm
عدن، نيوزيمن، خاص:

بعد شهر وخمسة أيام من تعيينه رئيساً للحكومة، ترأس أحمد عوض بن مبارك، الأحد، اجتماع مجلس الوزراء في العاصمة عدن، وهو الاجتماع الثاني من نوعه منذ تعيينه في الخامس من فبراير الماضي.

ناقش الاجتماع الثاني لحكومة بن مبارك قرابة عشرة مواضيع واتخذ قرارات بشأنها، وهو ما يضاعف المهام التنفيذية لهذه القرارات، إضافة إلى حوالي تسعة قرارات تم اتخاذها في الاجتماع الأول في 12 فبراير الماضي، وقبلها القرارات غير المنفذة التي اتخذتها الحكومات السابقة.

بالتركيز على قرارات مجلس الوزراء في اجتماع الأحد، قد تحتاج حكومة بن مبارك إلى الأخذ بالاعتبار التعليقات التالية على قراراتها كتقدير موقف ذي طابع إعلامي مراقب لأداء الحكومة ومساند لها:

1- الأوضاع الاقتصادية والخدمية والمعيشية المرتبطة بحياة المواطنين، مع قرب حلول شهر رمضان المبارك:

تكرر ذكر الأوضاع الاقتصادية والخدمية والمعيشية للمواطنين في الاجتماع، وناقش الوزراء هذا الجانب باستفاضة، وقدم الوزراء المعنيون تقارير حول الاحتياجات والجهود المبذولة لتحسين الخدمات، لكن تكررت أيضا الإشارة إلى أهمية الإصلاحات مع اقتراب حلول شهر رمضان، وهو ما قد يعطي انطباعا بطابع آني للإصلاحات. قد تحتاج الحكومة لمزيد من طمأنة المواطنين بأن جهود الإصلاحات ستستمر بعد رمضان، ومزيد من التأكيد على أن "المواطن وحياته المعيشية هو محور اهتمام الحكومة، وجوهر خططها وبرامجها الخدمية والإنمائية في مختلف القطاعات"، وأن يلمس المواطن رقابة ميدانية على توفر السلع والرقابة على أسعارها، كما جاء في تقرير الاجتماع.

2- توجيه الوزارات والجهات المعنية بمتابعة إنجاز ما تم الاتفاق عليه بين اليمن وروسيا خلال زيارة رئيس الوزراء لموسكو، خاصة في مجالات الكهرباء والطاقة والصناعة والنفط: 

تحتاج الوزارات والجهات المعنية بهذه المهام إلى عدم التباطؤ في إعداد الخطط والتصورات الخاصة بالمشاريع بحسب أولوية الاحتياج اليمني، كما ينبغي تجنّب ترك الجانب الروسي ينتظر جهوزية خطط وبرامج الجانب اليمني، أو ترك مهمة التخطيط والتنفيذ بكاملها عليه، فهو يعرف ويهتم بأولوياته واحتياجاته ويتوقع أن الجانب اليمني يعرف ويهتم بأولوياته بالمقابل. التقصير في هذا الجانب قد يؤدي إلى اختلالات فنية متوسطة وبعيدة المدى كما حدث في مشاريع استراتيجية كثيرة، وهنا تأتي أهمية تفعيل دور الكادر اليمني المتخصص علمياً كل في مجاله، وعبر مراحل التخطيط والتنفيذ والاستشارات.

3- أولويات الحكومة بموجب توجيهات رئيس مجلس القيادة الرئاسي وأعضاء المجلس، لتخفيف حدة تداعيات هجمات مليشيا الحوثي على المنشآت النفطية وتوقف تصدير النفط الخام منذ 16 شهراً:

يتضمن هذا الموضوع أولوية واحدة من أولويات الحكومة التي وجه بها رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، في الاجتماع الأول لحكومة بن مبارك، وفي صدارة تلك الأولويات "استعادة مؤسسات الدولة وإسقاط انقلاب المليشيات الحوثية الإرهابية، وصناعة الفارق، وبناء النموذج في المحافظات المحررة". ووفق كلمة الرئيس رشاد العليمي في ذلك الاجتماع، فإن "النموذج" المطلوب تحقيقه من قبل الحكومة، ليس محلياً فقط، إذ يتوجب على الحكومة تعزيز ثقة المواطنين، وكذلك المجتمع الإقليمي والدولي بالمؤسسات العامة للدولة، ومهمة بناء هذا النموذج تحظى بدعم ومساندة رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي، وعلى الحكومة أيضاً أن تعزز ثقة رئيس وأعضاء المجلس بأدائها الاحترافي كسلطة تنفيذية عليا.

أما فيما يخص تخفيف حدة تداعيات هجمات مليشيا الحوثي على المنشآت النفطية وتوقف التصدير، قد تحتاج الحكومة إلى إعداد خطة واضحة وقابلة للتنفيذ لاستئناف تصدير النفط حتى مع استمرار التهديد الحوثي بقصف المنشآت وموانئ التصدير. ومن اللافت أن الحكومة لا تلاحظ نقاط الضعف الحوثية عبر مراحل الحرب ولا تستغلها لتعزيز موقفها التفاوضي والميداني، فوضع الحوثيين في هذه المرحلة ليس قويا كما يحاولون الترويج لذلك، والدليل أن أحد قيادات الجماعة أعلن الأسبوع الماضي أن جماعته لا تمانع استئناف الحكومة تصدير النفط، محاولا تغطية ضعف موقف الجماعة بوضع شروط لذلك. ربما تستطيع الحكومة إعداد خطة عاجلة ومحكمة لاستئناف تصدير النفط من منطلق أن التهديد الحوثي بقصف المنشآت النفطية وموانئ تصديره قد ألحق ضررا بالغا بحياة الشعب اليمني طيلة 16 شهرا، وعرقل صرف مرتبات ملايين الموظفين بانتظام، وأدى إلى انهيار العملة الوطنية والاقتصاد الوطني لليمن بشكل عام. قد يتوجب أيضا على رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي سرعة البت في هذه الخطة وتوجيه الحكومة بسرعة إنجازها.

4- تحسين موقف العملة الوطنية، وضمان استدامة الخدمات، ودفع رواتب الموظفين:

يتوقف النجاح في تنفيذ هذه الأولوية أو هذا القرار بشكل رئيسي على نجاح الحكومة في استئناف تصدير النفط، لكنه يتوقف أيضا وبنفس الدرجة من الأهمية، على تحسين تحصيل الإيرادات الحكومية، خاصة الإيرادات بالعملة الصعبة، وضبط التلاعب بسعر الصرف، وتوجيه مصادر وعمليات التحصيل إلى البنك المركزي اليمني في عدن. الاستعانة بخبرات مصرفية واقتصادية يمنية في هذا الجانب شديدة الأهمية، ويوازيها في الأهمية تنشيط الكوادر الأكاديمية المختصة في إطار لجنة حكومية جديدة أو إعادة تشكيل اللجنة الاقتصادية مثلا. قد تحتاج الحكومة لوضع محددات عامة وفق أولوياتها وتكليف هذه اللجنة بإعداد دراسات قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى لتحسين موقف العملة الوطنية وإصلاح القطاع المصرفي، بدون الإضرار بمصالح القطاع الخاص وبدون السماح له بالتغول وتشجيع الفساد في مؤسساته ومؤسسات الدولة.

5- مناقشة مشروع تمويل برنامج الرواد لابتعاث أساتذة الجامعات في برامج بحثية مشتركة مع الجامعات العربية والأجنبية:

من الجيد أن هذا المشروع ما زال في طور النقاش. قد تحتاج الحكومة إلى تأجيل تمويل وتنفيذ هذا المشروع في المرحلة الراهنة لكونه يتعارض مع أولوية الحكومة في "انتهاج سياسات تقشفية لترشيد الانفاق، وتقليص عجز الموازنة العامة"، وهي الأولوية التي شدد عليها الرئيس العليمي في الاجتماع الأول لحكومة بن مبارك. يمكن للحكومة أيضا أن تربط استحقاق الابتعاث لأساتذة الجامعات في هذا البرنامج، بالتخصصات التي يحتاج إليها مسار الإصلاحات، وبإنجاز كل مرشح للابتعاث عددا محددا من الأبحاث والدراسات التنفيذية في مجاله، وبإثبات واحدة أو أكثر من دراساته جدوى عملية في بناء نموذج الدولة.

6- تسريع مسار الإصلاحات ومكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والمساءلة، والعمل على إعادة الاعتبار للدولة وهيبتها وسلطتها واحترام مؤسساتها:

إحراز النجاح في هذا الجانب قد يتطلب الكثير من الوقت وأحيانا المواجهة مع جهات وشخصيات نافذة، لكن بإمكان الحكومة رفع تقاريرها وإحاطاتها أولا بأول إلى مجلس القيادة الرئاسي الذي يتوجب عليه أيضا عدم التساهل مع من يمارس الفساد أو يشجعه. يتطلب الأمر إجماع مجلس القيادة على هذه الأولوية، وجميع الأولويات التي تضمن تحقيق إعادة بناء نموذج الدولة في المناطق المحررة وتعزيز ثقة المواطن والمجتمعين الإقليمي والدولي بها. في هذا الجانب ربما يمكن الاستشهاد بموقف عضو مجلس القيادة، عيدروس الزبيدي، في التعامل مع حادثة الاشتباك المسلح بين قوات الحزام الأمني وقوة عسكرية أخرى في عدن على خلفية سرقة سيارة مسؤول أمني. توجيهات الزبيدي بردع المخالفين ومحاسبتهم نموذج لنجاح مسار الإصلاحات في الجانب العسكري والأمني، وكذلك سيكون الأمر بالنسبة للقطاعات الأخرى، سواء كانت حكومية أو قطاعا خاصا. الإجماع على أن سلطة وهيبة ومؤسسات الدولة يجب أن لا يمسها أحد، سيشجع الكفاءات الحكومية على بذل المزيد من الجهد لبناء النموذج المنشود دون خوف من ردود الفعل المنفلتة.

7- الموافقة على مشاريع تطويرية وإعادة تأهيل لمستشفى الجمهورية في عدن:

هذا أحد أهم القرارات التي بتّ فيها مجلس الوزراء، وأثبتت فيه كل من الحكومة والسلطة المحلية مسؤولية عالية تجاه الصحة العامة للمواطنين بتقاسمهما تمويل المستشفى بـ300 مليون ريال شهريا، لكن حصر هذا التمويل بمدة عام واحد، يتوجب البحث خلال هذا العام عن مصادر تمويل بديلة ودائمة حتى لا يتسبب انقطاع التمويل بمشكلات أكبر وهي واردة الحدوث في حال انقطاع التمويل. يتعين أيضا اهتمام وزارة الصحة والسلطة المحلية وقيادة المستشفى، بجانبهم من مهمة المتابعة والإشراف ورفع التقارير والتوصيات والتحذيرات أيضا من أي إشكالات ترافق تنفيذ الخطة التطويرية.

8- التصديق على مذكرة التفاهم حول حماية الممتلكات الثقافية اليمنية والموقعة مع الولايات المتحدة الامريكية:

من المستغرب أن يتأخر التصديق على هذه الاتفاقية إلى الآن رغم مرور أكثر من ستة أشهر على توقيعها من قبل السفير اليمني في واشنطن ومساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون التعليم والثقافة. مهما كان الوقت الذي يتطلبه التصديق بروتوكولياً على مثل هذا النوع من الاتفاقيات، إلا أن الحاجة الملحة لوقف نزيف الآثار اليمنية تتطلب تسريع أي إجراءات بهذا الجانب. قد تحتاج حكومة بن مبارك إلى البدء بسرعة في تقصي عمليات بيع الآثار اليمنية في المزادات الخارجية واستمرار تهريبها من الداخل. آخر التقارير عن عمليات بيع وتهريب الآثار اليمنية كانت قبل أيام وأسابيع قليلة، أحدها نشرته صحيفة "الأيام" عن ضبط جمارك منفذ شحن تهريب مخطوطة أثرية باللغة العبرية مكتوبة بماء الذهب. المتابعة المواكبة لعمليات ضبط تهريب وبيع الآثار ضرورية لتعزيز ثقة المواطن بحرص الحكومة على تاريخ البلاد وكنوزه الآثارية، وضرورية أيضا لتعزيز ثقة المجتمعين الإقليمي والدولي بقدرة الحكومة وحرصها الحقيقي على آثار البلاد وتاريخها.

9- إعادة النظر في سبل مواجهة نشاط أذرع النظام الإيراني المزعزعة لأمن واستقرار المنطقة والعالم:

يتطلب هذا الأمر من الحكومة تفعيل أكثر من دور، دبلوماسيا، إعلاميا، اقتصاديا، عسكريا، ثقافيا، وإيلاء الاهتمام بالتوعية المجتمعية بخطورة المشروع الإيراني وتخادمه مع نظام الإمامة وتكريس الطائفية وخرافات حصر الحق بالحكم على سلالة أو طائفة بعينها.